يحصل في بلد الغرائب…
مستغرب الكلام عن تقدم العماد جوزاف عون في السبق الرئاسي كمرشّح يحظى بتأييد محلي وإقليمي ودولي، فيما لم يقل العماد كلمة في هذا الشأن ولم يُنقل عنه رغبته للإنتقال من اليرزة إلى بعبدا، ولا وشوش عصفورة بتلميح يُستشف منه أن الرجل “أوصى” على البزة الرسمية أو باشر بوضع الخطوط العريضة لخطاب القسم.
يحصل ذلك في بلد الغرائب. فالمتقدم بين المرشحين، لا يسمح له الدستور بالترشّح، فيما منافسه القوي، سليمان فرنجية، لم يترشّح بعد في انتظار البوانتاج الذي تجريه الحلقة الضيقة المحيطة بالمرشد الأعلى.
وفي بلد الغرائب، يعطّل المستعجلون على إنهاء الشغور الرئاسي، وفي مقدمهم البرلماني الأوّل، النصاب مرّة ومرتين وإحدى عشرة مرة ويصوّتون بأوراق بيض، ويتهمون زملاءهم في المعارضة بعدم الجديّة في مقاربة الاستحقاق.
وهنا تحكم الأكثرية إن كانت ممانعة وتصبح حكومة الوحدة الوطنية شرطاً متى انتقلت الأكثرية إلى المعارضة…السيادية.
في بلد الغرائب يُطالب رئيس الدولة بالإنحياز إلى الدويلة وعدم طعنها بخنجر أو بأي آلة حادة كما ورد في متون الدستور.
وفي بلد الغرائب، يقصد وليد جنبلاط قصر عين تينة، وبدلاً من محاولة إقناع نبيه بري بالنائب ميشال رينيه معوّض كمرشّح إصلاحي مقبول عربياً ودولياً، ومنفتحٍ على كل الأحزاب والتيارات اللبنانية، وملتزمٍ تطبيق الدستور، يخرج البيك من دارة رئيس المجلس ولسان حاله: نبيه بري لا تعبس/ إنتَ فصّل، نحنا منلبس.
في بلدنا، تعيش أغلبية المواطنين على الخبز، ويعيش أهل السلطة على البهدلة. على سبيل المثال، يتهم الفرنسيون، على لسان مسؤوليهم، من رتبة سفير إلى رتبة رئيس، الطبقة الحاكمة بالتعطيل. من تعطيل تشكيل الحكومات وتعطيل الإصلاحات وتعطيل المبادرات وتعطيل التحقيق في انفجار المرفأ إلى تعطيل الإنتخابات وبافتقارها إلى الـ”شجاعة” للإقدام على التغيير. ويصف الفرنسيون النظام اللبناني بـ”الفاشل” و”المفلس”. يواجه تماسيح المنظومة ما يسمعونه بالإبتسام كالبلهاء، أو يتصرّفون بغباء كما حصل ذات يوم في السراي الحكومي في لقاء جمع البروفسور حسان دياب بمجموعة من السفراء، إذ قُطع البث عن كلمة السفيرة غريو بعدما توجّهت إلى رئيس الحكومة ذي الشعر اللمّاع بكلمات قاسية إذ رأت أن الإنهيار الذي حصل “نتيجة متعمدة لسوء الإدارة والتقاعس منذ سنوات، ليس نتيجة حصار خارجي، بل جميعكم تتحملون المسؤولية، وكل الطبقة السياسية المتعاقبة منذ سنوات”. كل العالم، ما عدا الجمهورية الإسلامية والمملكة الحوثية، من رأي غريو أمس واليوم وغداً.
في ظلّ هذا الإنحلال والعجز، وتسهيلاً لانتخاب رئيس للجمهورية، فأفضل ما يمكن أن تفعله البطركية المارونية هو عقد اجتماع للنواب الشيعة في بكركي، على أن يُعقد اجتماع مواز للنواب الموارنة في بير العبد! ألسنا في بلد الغرائب؟
نداء الوطن