متفرقات

سقوط سوليدار يعني سقوط الرهان الأميركي على مشروع محاصرة روسيا واستنزافها؟!

بقلم الكاتب السياسي ناجي صفا

المشروع الاميركي الذي بدأ منذ العام ١٩٩١ عقب انهيار الإتحاد السوفياتي ويقضي بمحاصرة روسيا وإضعافها وصولا لتحجيم دورها على المسرح الدولي، وسعيا وراء تفكيكها والإستيلاء على ثرواتها، سقط مع سقوط سوليدار المدينة الإستراتيجية المحصنة فوق الأرض وتحت الأرض بمئات الكيلومترات وعلى اعماق تتجاوز المئة متر.

عانت روسيا كثيرا جراء السياسات والمطامع الاميركية منذ لحظة انهيار الإتحاد السوفياتي، وتحملت الكثير من الخطط الأميركية والمشاريع الهادفة لمحاصرتها وإسقاطها. جرى زيادة عدد دول حلف شمال الاطلسي من ستة عشر دولة في تسعينيات القرن الماضي الى ٢٩ دولة في العام ٢٠١٧، كان الهدف الرئيسي محاصرة روسيا وتطويقها بدول اطلسية، تتماهى مع الأيديولوجيا الأطلسية التي زرعتها الولايات المتحدة في فكر وسياسات دول حلف شمال الأطلسي بالعداء لروسيا، ومنع تطورها وتوسع علاقاتها على المسرح الدولي، بخاصة منع تطوير علاقتها مع الإتحاد الأوروبي من جهة ومع الصين وبعض المشرق العربي من جهة اخرى.

عملت الولايات المتحدة المستحيل من اجل الحد من العلاقات الإقتصادية مع اوروبا، لا سيما في مجالي النفط والغاز. وعملت على إعاقة إنجاز مشروع نورد ستريم ٢ الذي يصل روسيا بألمانيا ويوفر لها ولغالبية اوروبا الغاز بأسعار معقولة، بما يساهم في دعم الإقتصاد الاوروبي من جهة، ويوفر مداخيل اقتصادية ومالية هامة لروسيا ترفع من قدراتها الإقتصادية والتسليحية والإستراتيجية من جهة اخرى.

سار المشروع الاميركي الذي اختار اوكرانيا مدخلا له بشكل متواز مع الضغوطات السياسية والإقتصادية ضد روسيا وضمنا ضد الإتحاد الاوروبي معا لمنع تطور العلاقة بينهما. وبدأت الخطوات في اوكرانيا تعبر عن نفسها منذ العام ٢٠٠٤، ثم بلغت حد الإنقلاب الذي اشرف عليه بايدن شخصيا عام ٢٠١٤ وتمكن من انتاج سلطة سياسية معادية ليس لروسيا فحسب، وانما لجزء من الشعب الاوكراني الناطق باللغة الروسية، لكونه مصر على علاقة طيبة مع روسيا بحكم الجوار واللغة والتاريخ والجغرافيا.

عملت الولايات المتحدة على تسلم النازيين الذين أعادت بعثهم الحكم، وقام هؤلاء بسلوكيات عنصرية فتاكة ضد مواطنيهم في منطقة الدونباس ذات الأغلبية من جذور روسية.

حاولت روسيا تدارك الموقف عن طريق اتفاق منسك الذي اعطى الدونباس حكما ذاتيا لم تنفذه السلطات الاوكرانية ليتبين بحسب ما ذكرت ميركل والرئيس الفرنسي ماكرون ان الموافقة على اتفاقية مينسك لم تكن سوى بروباغندا لذر الرماد في العيون وتحضير المسرح الاوكراني للدور الذي رسمه الأميركي في النيل من روسيا واستكمال محاصرتها وتهديد أمنها القومي وصولا الى مهاجمتها وإسقاطها وتعطيل دورها على الساحة الدولية.

لم تأت التغييرات التي أجراها بوتين ووزير دفاعه في هيكلية القوى الروسية المقاتلة عبثا. فقد تمكنت من إسقاط مدينة سوليدار الإستراتيجية التي ستقصم ظهر المشروع الاميركي. فلم يأت هذا السقوط من العدم ولم يشكل مسارا خارج الخطة الروسية لإتمام السيطرة على الدونباس واسقاط الحلم الأميركي. الآن يجري التحضير لحسم المعركة بما يؤمن الإستراتيجية الروسية في إسقاط ما تبقى من مدن يمكن ان تشكل خطرا على المناطق التي جرى ضمها لروسيا، وان لا تتحول اوكرانيا الى خنجر في الخاصرة الروسية وأداة للمشروع الأمبريالي الاميركي. سيشكل هذا السقوط حالة تأسيسية لاستكمال سقوط مدن اخرى استراتيجية وإنجاز المشروع الروسي ليعود الأميركي ومعه حلف شمال الأطلسي من اوكرانيا بخفي حنين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى