متفرقات

متابعة الأبراج.. تسلية تتحول الى تعلق مرضي

لطالما شعر الإنسان بالرغبة في معرفة المستقبل. وقد ظهر العرّافون والمنجّمون منذ مئات السنوات وتنبّأوا بأحداث مقبلة. وبين التسلية الطبيعية التي يبحث عنها غالبية من يتابع الأبراج والتوقعات التي تحتلّ مساحة كبيرة مع مطلع السنة الجديدة، خصوصاً عبر شاشات التلفزة أو مواقع التواصل الإجتماعي، وبين من يؤمن بالفعل بعلم الفلك وتأثيره على سيرورة الحياة، هناك أيضاً من يصل به الأمر الى المبالغة في تعلّقه بها.

 

البحث عن الطمأنينة

وفي هذا الإطار، تشير المعالجة النفسية والأستاذة الجامعية ديالا عيتاني في حديث لـ”نداء الوطن” الى أنّ هناك عوامل عدّة تدفع بالإنسان للتعلّق بالتوقعات والأبراج بحسب علم النفس الإجتماعي. فالبعض يعتقد أنّ الأوصاف المعمّمة دقيقة. وبالرغم من أنّها قد تنطبق على أيّ إنسان، لكنّ العقل يمرّرها عبر مصفاة بحيث ينظر الى الأمور العامة وكأنّها تتوجّه له بشكلٍ خاصّ. كما أنّ هناك من يعتبرون أنّ صاحب التنبّؤات هو إنسان صادق وذو سلطة. وكونه معروفاً ومشهوراً ويؤدي دوراً معيّناً، بالتالي كل ما سوف يقوله سيكون صحيحاً. الدافع الثالث هو البحث عمّا يمكن أن يشبهنا. فحين يستمع بعض الناس الى الأبراج، يبحثون تلقائياً عمّا يمكن أن ينطبق عليهم، ويقارنونه مع ما يتناسب وحياتهم. كما هناك ما يسمّى بـ”التحيّز الإدراكي” أو العقل الباطن الذي يدفع بالإنسان أحياناً الى تصديق معلومات خاطئة، بحيث يغيب تركيزه عن كونها صحيحة أو علمية أو لا. كما أنّ هناك أشخاصاً يعانون القلق والخوف من المجهول والمستقبل، ويظنّون أنّ اطّلاعهم على الأحداث المقبلة، سواء أكانت سلبية أم إيجابية، هو أفضل من عدم معرفتهم بها. فذلك يمنحهم نوعاً من الطمأنينة، رغم أنّها أحياناً تكون مجرّد وهمٍ يخفّف القلق في اللحظة الآنية، لكنّهم يتقيّدون بها ويعتمدون عليها، بحيث تنتقل من مجرّد قلق من المجهول، نحو تفكير متواصل قد يصل حدّ الهوس. وأحياناً يبحث الإنسان عن التوقعات ويقارنها بتطوّرات يومياته، كي يبرهن أنّها صحيحة، ويدخل في دائرة النظرية التي تعتبر أنّ إيمانه بهذا التوقّع أدّى الى تحقيقه، وبالتالي فهو صحيح. هذا ولفتت عيتاني الى أنّ بعض الذين يعانون ضعفاً في الشخصية أو عدم ثقة بالنفس، يعانون أيضاً القلق والخوف من المجهول. ويترافق ذلك مع نظرة تشاؤمية للحياة ونوع من الإكتئاب. وقد يدخلون في دوّامة استحضار أحداث الماضي والتفكير الزائد في المستقبل، الأمر الذي يتسبّب لهم بتشوّهات فكرية عدّة. والبعض يحصر تركيزه بفكرة واحدة ثم يقوم بتعميمها، ويتعامل معها بأسلوب مضخّم. بالتالي هذه الأفكار التي تحاصر الإنسان، إضافة الى عدم الثقة بالنفس والشعور بضعف القدرة على تحكّم الإنسان بيوميّاته، ترفع من نسبة تعلّقه بالأبراج والتوقّعات.

 

احذروا المبالغة

الى جانب من يتابعون الأبراج والتوقعات بهدف الفضول الطبيعي أو التسلية، هناك من يتعامل معها بشكل مبالغ فيه، بحيث تؤثّر على كل تفاصيل حياته وصولاً الى اتّخاذه القرارات المصيرية. وفي هذا الإطار، تشير عيتاني الى أنّ البعض يتابع التوقّعات لأنّه يحبّ من يعطي تعريفاً حول شخصيته، ويأخذ منها ما قد يفيده في حياته اليومية. لكنّ التفكير الزائد بها وكتابتها ومقارنتها مع أبسط التفاصيل اليومية، والاقتناع بأنّ الإنسان غير مخيّر في هذه الحياة، إنّما الفلك هو من يحدّد مصيره، قد يحوّل الأمر حينها الى هوسٍ مرضي أو الى نوع من الوسواس القهري. وتضيف: “حتى أنّ بعض الشخصيات التي تعاني البارانويا أو التخيّلات تتأثّر كثيراً بالتوقّعات. كما أنّ الأشخاص الإتكاليين الذين يربطون مصيرهم بالأمور الخارجية، إضافة الى من يعانون الرهاب الإجتماعي، معرّضون كذلك الى التعلّق بالتوقّعات بأسلوب مرضي”. وتتابع: “حين يصل الأمر الى مرحلة مرضية، من الضروري أن يعي الإنسان خطورته وتأثيره السلبي على وقته وطاقته وأفكاره ومشاعره وتصرّفاته. وعلى المحيطين به أن يلفتوا نظره الى أنّ الأمر خرج عن المنطق، ولا ضرر في زيارة معالج نفسي، فالعلاج المعرفي السلوكي يساعد على علاج هذا الإدمان”.

 

حين تصبح القرارات مرتبطة بالفلك

من جهة أخرى، يحذّر بعض النظريات من الإستماع للأبراج بشكل يومي كي لا تتحوّل هذه العادة الى إدمان. وهُنا تشير عيتاني الى أنّ بعض الذين يدقّقون كثيراً في الأبراج قد يصلون الى مرحلة يعجزون فيها عن البدء بيومهم من دون الاستماع لها، بحيث تصبح البرمجة الدماغية لديهم شديدة جداً، وقد يشعر الإنسان بنقصٍ ما لم يستهلّ يومه بالأبراج، حيث إنّ تصرّفاته وقراراته تصبح مرتبطة بما يقوله الفلك له. هذه العادة قد تتحوّل بالفعل الى نوع من الإدمان اليومي. والإدمان يرفع من نسبة الدوبامين، وبالتالي إذا لم يمارس هذه العادة، ستظهر لديه عوارض سيّئة مثل الشعور باليأس أو الخوف أو التفكير المستمرّ، وطبعاً ذلك قد ينعكس على يوميّاته وعمله وعلاقاته مع الآخرين. وقد يتحوّل الى إنسان عدوانيّ حين يحاول أن يبرهن صدق التوقّعات أمام الذين لا يؤمنون بها.

 

في فترة الأزمات… إنتظار الفرج من حافز خارجي

وعن الرابط بين الأزمات التي تمرّ بها البلاد وبين ازدياد اللجوء نحو متابعة وتصديق التوقعات، توضح ديالا عيتاني أنّ الإنسان حين يشعر باليأس من الوضع وبفقدان السيطرة على ما يحيط به، سيتعلّق تلقائياً بأيّ خيط أملٍ يلوح أمامه. وعوضاً عن التركيز على تطوير مهاراته وقدراته أو اتباع أسلوب تفكير إيجابي، قد يلجأ الى حافز خارجي، حتى لو كان خاطئاً. وتختم بالقول: “الدوّامة السلبية التي تحيط بالإنسان تدفعه الى اللجوء الى بصّارة مثلاً أو الاستماع الى التنبّؤات، علّه يستمدّ منها أملاً أو أخباراً جديدة بعيداً عن مشاكل وصعوبات الحياة. وذلك قد يعزّز فكرة خروج الأمور عن السيطرة بالنسبة له، كما يرفع من نسبة الكسل والخمول، بحيث ينتظر الفرج من الخارج بدلاً من القيام بجهد أو السعي لتخطّي هذه الفترة الصعبة”.

 

 

 

 

 

 

 

نداء الوطن

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى