زيارة بينغ للسعودية ليست اقتصادية فقط
بقلم رئيس تحرير جريدة البناء الاستاذ ناصر قنديل
تسير السعودية على خطى تركيا في تثبيت موقع سياسي اقتصادي إقليمي ودولي نابع من الحرص على التوازن بين العلاقات التقليدية المميّزة مع الولايات المتحدة الأميركية، وحفظ الحق بهامش واسع للخلاف، من جهة، والانفتاح على بناء علاقات جديدة ونوعية مع القوتين الصاعدتين عالميا روسيا والصين، من جهة موازية، دون الانضباط بالسقوف الأميركية ودون الانضواء في أحلاف مناوئة لأميركا بالتوازي، وقد أثبتت التجربة التركية منذ أعوام حجم الفوائد السياسية والاقتصادية، وربما الاستراتيجية التي حققتها تركيا من هذه السياسة المستقلة ضمن مفهوم التحالف، وتركيا عضو هام في حلف الناتو، بما يكفي لتقتنع السعودية بضرورة حسم القرار باتخاذ خطوات عملية في هذا الطريق، وهذا ما يصف به الأميركيون أبعاد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض. والقمم الثلاث التي سوف يعقدها خلال الزيارة، والحفاوة السعودية التي يلقاها، والمكانة التي توضع فيها العلاقة الصينية السعودية عبر تنظيم الرياض لهذه القمم على شرف الرئيس الصيني.
المدى الذي يمكن أن تذهب إليه السعودية هو الأهم، لأن ليس لدى الصين ضوابط وحسابات غير قانون المصلحة الوطنية. والصين تعرف أنها بلد مستهلك للنفط وأن السعودية أكبر منتج بائع في العالم، كما تعرف الصين أنها منتج للتكنولوجيا والسلع الصناعية والأسلحة، والسعودية أغنى المستهلكين وأكثرهم قدرة على التوسّع في عقود الشراء. والصين تعرف أنها دولة تمتلك خطة الحزام والطريق للتشبيك مع العالم وأن مكانة السعودية حاسمة على ضفاف الخليج والبحر الأحمر في هذه الخطة وتوفير فرص نجاحها وتطورها. وهي تعرف انها والسعودية تمتلكان أكبر كمية نقدية عائمة في العالم، وأن بناء نظام مصرفي موازٍ للنظام الغربي هدف يستحق محاولة اجتذاب السعودية إليه كشريك في النظامين الماليين في العالم، مع الرغبة السعودية في الانضمام إلى مجموعة شانغهاي ومنظمة البريكس.
خطت السعودية نحو روسيا خطوات أثارت الحفيظة الأميركية لكن السعودية لم تتراجع، وتمسكت بأن روسيا أهم شريك منتج لها في العالم يجب تنسيق سياسات بيع وتسعير النفط معه، وهي تعتبر أن الصين أهم مستهلك في العالم وأهم مستثمر صناعي، والسعودية معنية بضمان مبيعاتها وتصنيع نسبة من منتجاتها النفطية، وقد استثمرت 450 مليار دولار في مصانع بتروكيماوية بالتعاون مع الصين. ورغم اهتمام الصين بالبعد الاقتصادي الذي تُوحي به القمتان الصينية الخليجية والصينية العربية اللتان تنظمهما الرياض بمناسبة زيارة بينغ، فإن البعد السياسي لهاتين القمتين لا يقلّ أهمية عن البعد الاقتصادي. فالصين حليف وصديق وشريك لدول بلغت الخصومة السعودية معها كنتيجة للتموضع وراء السياسات الأميركية، مدى جعلها عبئاً على السعودية يحتاج مخارج «مشرفة».
العلاقة الإيرانية السعودية والعلاقة السورية السعودية مواضيع حاضرة في الزيارة والقمم، والصين أبدت في مراحل لاحقة اهتماما بدور في ترميم العلاقات بين سورية والسعودية وكذلك بين إيران والسعودية، وليس بعيداً عنهما مستقبل الوضع في اليمن، وتموضع السعودية في منطقة وسط تجاه القضية الفلسطينية تختلف عن منطقي المقاومة والتطبيع، تتمثل بإعادة الزخم للمبادرة العربية للسلام تحت راية دعم روسي صيني، في ظل ظهور العجز الأميركي الإسرائيلي عن فرض السيطرة على المشهد الفلسطيني، والعجز عن إحداث اختراق سياسيّ قدّمت له مبادرة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز فرصة منسقة مع واشنطن وقامت واشنطن بقتلها علناً عبر إطلاق صفقة القرن، التي أفسحت لها السعودية المجال كما أفسحت المجال لخطط التطبيع الخليجي الإسرائيلي، وثبت أنها مشاريع بلا أفق.
في واشنطن يراقبون ويحصون الأنفاس لما يدور في كواليس لقاءات القمم التي تستضيفها الرياض وشعور بالقلق يتسلل الى غرف القرار الأميركي تجاه إمكانية إدارة العلاقة مع السعودية بعد الزيارة وفقاً للقواعد ذاتها التي كانت صالحة قبلها.
في 27-10-2017 وفي هذه الزاوية وتحت عنوان، هذا قرن الصين تعرفه أميركا، كانت خاتمة المقال «خلال سنوات ستكون الصين قادرة على امتصاص كميات هائلة من النفط الخليجي والغاز الروسي والإيراني والقطري، كما ستكون قادرة على ضخّ كميات هائلة من بضائعها نصف المصنّعة إلى مئات المناطق الصناعية الحرة التي تبنيها على محطات تتوزّع حول مئات آلاف الكيلومترات من سكك الحديد، وستقذف في الأسواق كميات أكبر من السلع الاستهلاكية الجاهزة للاستهلاك مباشرة، حيث الفولاذ الصيني سيكون جسر العبور بخطوط نقل عملاقة وقطارات سريعة لا مثيل لها في العالم، وستمتلك الصين فوائض مالية بآلاف التريليونات من سلة عملات لا يحتكرها الدولار الأميركي، يدخل بين مصنفاتها الروبل الروسي واليوان الصيني، وسيكون العالم في موضع الطلب والصين في موقع العرض».
كان ختام الخاتمة «شي جين بينغ زعيم الصين الجديد، آتٍ بسكك الحديد العملاقة والقطارات السريعة، والسلع الرخيصة والمتعدّدة، احفظوا هذا الاسم جيداً».