متفرقات

استحقاق رئاسة الجمهورية.. وأفخاخ تنصب

بقلم الاعلامي جهاد أيوب

 

إلى الآن انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية ليس قريباً، وانتظار تسميته يتطلب المشوار الطويل، وهو أكثر من بعيد إلا إذا سقط الحل عبر السفراء. وكل الثرثرات التي تتنطح في الداخل اللبناني هي مجرد طواحين هواء حتى تراهم (نظيرة) الطائفية وفي السفارة.

الأداء السياسي في لبنان كيدي لا يصب في مصلحة الوطن، بل منافع لعقلية الزعامات الفاسدة، وأحياناً ولدنات سياسية… هذه تختزل واقع الحال في لعبة النظام اللبناني، والكيدية هذه محلية اعاقت الكثير من الحلول الوطنية، ووضعت المسامير الحادة أمام الشعوب اللبنانية لآن الزعامة في لبنان حالة تقليدية ميراثية لم تعرف التطور، والزعيم هو الافهم، وإن أراد أن يطرح مشاريعه التي تفيده، يشعل الجانب الطائفي ليصبح شارعه في بيت الطاعة، ولكنه أي الزعيم في السفارات يتلقى التعليمات والشنط، وإن خالف لطلب واحد من آلاف الطلبات ينفى، ويبعدونه عن اللعب في الملعب اللبناني.

المرشحون الحقيقيون لرئاسة الجمهورية اللبنانية حتى الآن هما سليمان فرنجية وجوزيف عون، الأول مرشح حزب الله رغم عدم تسميته، ومرشح الرئيس نبيه بري علناً، وحتى اللحظة السعودية لم تقبل به أو ترفضه. وقد يضغط الرئيس بري، ويؤمن له نواب وليد جنبلاط، وهذا الأخير لن يقف ضد عون، وهو بالأصل ليس جدياً بطرح ميشال معوض، وانتخاب نوابه مرحلياً لثقة جنبلاط أن معوض لن يعرف الفوز، وإرضاء لبعض السفارات.

وليد جنبلاط موغل بتركيبته البراغماتية، ولن يسير كما قال برئيس التحدي مع إنه انتخب معوض، ولكنه عمقاً ضد اختيار الرئيس الماروني المتطرف والتحدي، وضد رئيس يفتح معركة مع حزب الله. هو ضمنياً مع سليمان فرنجية، ولكنه سيسير بالقائد جوزيف عون إذا فرنسا وأميركا والسعودية ساروا به. وتقديراته أن عون ليس مرشحاً تحدياً.

الثاني، أي جوزيف عون أصبح مطلباً قطرياً، وشبه فرنسي، وبالتأكيد أميركياً، ورغبة سعودية بشرط أن يواجه المقاومة وحزب الله حتى توافق عليه الرياض كلياً، وتدعمه اقتصادياً.

نعم، السعودية لن توافق إلا على رئيس صدامي، وإن لم تصرح حول فرنجية بشكل واضح، لكنها تتحدث مع كل من يسألها رأيها برغبتها بالرئيس الصدامي، إضافة إلى نصبها أكثر من فخ بموضوع استحقاق رئاسة الجمهورية أمام حزب الله، والحزب اكتشف الملعوب، ويدرس خطواته بدقة.

هناك أكثر من فخ ينصب ويحضر للحزب من السعودية وأميركا في موضوع انتخاب رئيس الجمهورية، وقد يترك للحزب الاتيان بفرنجية بعد اقناعه لباسيل، وبذلك يكون قد قرر خيار المواجهة، وسيتحمل ويحملونه ما سيحدث من فوضى في البلد، أو جحيم البلد إلا إذا تغير الواقع الاقليمي.

ورفض الحزب لجوزيف عون، يعني كل إعلام الجبهة المضادة، والتي بيدها الفضائيات المحلية الثلاث، وغالبية الصحف، وما يخص السعودية تمويلاً وسياسياً. وكذلك زمرها الداخلية في الشوارع اللبنانية ستحمله فخ الفراغ الذي سيحصل، إضافة إلى فخ الفلتان الأمني، وفخ الفوضى الاقتصادية والاجتماعية.

من هنا يدرك الحزب صنيعة هذه الافخاخ المنصوبة له، لذلك لم يقم بإشهار ورقته علناً، ويحاول تدوير الزوايا مع جبران باسيل، ولكن للأسف جبران تقديراته للأمور خطأ، وربما أخذ يفكر بفك التصالح مع حزب الله في اتفاقية مار مخايل.

وحينما زار رئيس التيار البرتقالي دولة قطر سمع ما لا يرغب سماعه، لم تجامل الدوحة، وأعربت عن مرشحها لرئاسة الجمهورية اللبنانية، وهو الجنرال جوزيف عون قائد الجيش. لم يكن باسيل مسروراً، راهن على شيء، وقيل له عكس رهانه، وبجردة حساب بسيطة نجد الخاسر الأكبر من الاتيان بقائد الجيش رئيساً هو جبران باسيل والتيار الوطني، وإلى الآن تقديرات جبران للأمور خاطئة، وأيضاً تعمُد فتح المعركة مع المرشح سليمان فرنجية خطأ كبير.

القائد جوزيف عون تمكن من الاستمرار بتوحيد الجيش اللبناني، وأدار قيادته في أصعب الظروف، والنظرة المسيحية من حوله شبه موحدة لعدم دخوله بلعبة الفساد والمحاصصة. كما أن وصوله للرئاسة مشروع خطر على قواعد التيار لكون الجيش بالنسبة لهم خط أحمر، وممنوع الاقتراب منه، وجوزيف من الجيش، ومنع فتنة الشوارع، ويثقون به، ومُرضى عنه غربياً ومن بعض الدول العربية وبعض الداخل.

جوزيف عون لن يقدر أن يأخذ من قواعد القوات، ولن يقتحم جمهورهم بسبب الأدلجة التي يعيشون في داخلها، ولا يهم عون موافقة القوات له. وطرح اسمه من قبل سمير جعجع جاء لإحراق فكرة ترشيحه ولإرضاء السفارات المعنية خاصة السعودية والاماراتية والاميركية. كما أنه أكثر العالمين بواقع الكتائب، وهي مغلقة بأدلجتها، ولم تعد قوة مؤثرة في الساحة المسيحية، وشبه مضمحلة شعبياً على عكس القوات التي استقطبت إليها شباب الكتائب.

إذاً، غالبية جمهور التيار يُحسب من جمهور الجيش، وشخصية جوزيف عون شعبية ليست سلبية لديهم، وهذا يعني إن وصل عون إلى الرئاسة يشكل الخطر الأكبر على باسيل مهما حاول هذا الأخير نكران هذه الحقيقة.

وفي حال وافق جبران على سليمان فرنجية رئيساً، بعد أن يبتعد عن تصفية حسابات فترة ولاية الرئيس ميشال عون، يكون هو الرابح المستقبلي، ويتفرغ لإعادة ترميم التيار خلال ولاية فرنجية، لكون حصته مصانة، وسيأخذها من الحكم.

حزب الله حتى الآن يدرس في غرفه المغلقة كيفية التعامل مع الأفخاخ التي تنصب له في استحقاق الرئاسة، ويستوعب عناد باسيل، بسبب سوء تقديره، وإن استمر باسيل بذلك، سيؤدي هذا إلى خلط الأوراق بما ينتج حالة خطرة على قواعد التيار، وعلى جميع حلفاء التيار، ولا بد من الحزب قراءة متأنية في كيفية إقناع جبران باسيل قبل فوات الأوان، وكيفية المواجهة في المرحلة الحساسة المقبلة، إلا إذا تغيرت ظروف الحرب الأوكرانية، وحسمت روسيا بعض أمورها هناك، وسارت أميركا بالاتفاق النووي الإيراني، وخرج على العلن سوء تقدير السعودية لبعض المشاريع الأميركية في المنطقة.

المرحلة حرجة، وكل الاستحقاقات مؤجلة رغم أنها تغلي على نار حارة جداً وحاسمة، ولو أن زعامات الشعوب اللبنانية متفقة على رأي، وتأخذ قراراتها من مصلحة البلد لا السفارات، لكانت النتائج مختلفة، ولا تتطلب هذا الاهدار الزمني القاتل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى