شؤون إقتصادية

الطرق المحتملة لمعالجة الودائع في لبنان

بقلم الخبير المالي والاقتصادي الدكتور عماد عكوش

 

لجأت بعض الدول التي تعرضت لأزمات مشابهة للأزمة اللبنانية الى استخدام ثلاثة انواع من المعالجة، هي:  Baill-in، Bail-out Liquidation، Securitization

فما هي تفاصيل هذه الطرق؟ وما هي الطريقة الفضلى للبنان، سيما أن تشعب المشكلة اللبنانية وخاصة بعد تعثر الدولة وتوقفها عن دفع سندات اليوروبوندز أدى الى تخبط كبير لدى الحكومة اللبنانية والسلطات النقدية؟ وهل سيعتمد نموذجا مختلطا ما بين نموذجين أو أكثر؟

النوع الأول : Bail In

يعتمد بشكل أساسي على مفهوم إدخال جزء من الدائنين أو المودعين كشركاء أو مساهمين في المصرف موضوع المعالجة لكن دون هذه المعالجة مشاكل كبيرة وكثيرة منها:

– ان معظم المصارف اليوم تدعي بأنها خسرت معظم رساميلها الخاصة وبالتالي هذه المصارف وفقا” لكلام إدارتها تساوي صفر حقوق ملكية.

– في حال ان هذه المصارف كانت تساوي صفر حقوق ملكية فكيف سيتم إعادة هيكلتها أو تفعيلها من الصفر؟ فهي بحاجة بكل الاحوال الى سيولة لإعادة تفعيل نشاطها وهذه السيولة لن يتم تأمينها من خلال إدخال الدائنين في المصرف كمساهمين.

– في حال التسليم بدخول أصحاب الودائع كمساهمين في هذه المصارف فهذا يحتاج الى إعادة تقييم هذه المصارف وبالتالي الى إعداد ما يسمى تقرير خاص بهذه الحالة(Due diligence). فمن هي هذه الجهة المؤهلة في لبنان لإعداد هذه الدراسات والتي يشترط تمتعها بالإستقلالية؟ وعلى ماذا سيستند هؤلاء الخبراء في إعداد دراستهم ولم يقم معظم مدققي الحسابات بإبداء رأيهم بالبيانات المالية لعامي 2020 و 2021.

في عام 2011 لجأت الدانمارك الى هذه السياسة مع مصرفين عانا من مشكلة السيولة وعدم الدفع وهما:  Amagerbanken و Fjord bank Mars. وهما بنكان متوسطا الحجم بالنسبة للدانمارك وقد تمت معالجة مشكلتهما في نهاية الاسبوع وتم فتحهما في بداية الاسبوع اللاحق دون أن يشعر المودعون أو المستثمرون بأي تغيير أو مشكلة. كما لجأت قبرص الى نفس المعالجة لبعض المصارف في أزمتها عام 2013 حيث أصدر المصرف المركزي القبرصي قرار خاص ببنك ( Cyprus Public Company Limited) جعل من 47.5 بالمئة من ودائعه والتي تزيد عن 100 الف يورو من ضمن رساميل المصرف وأصدر بها أسهما لصالح المودعين.

النوع الثاني : Bail Out

يتم وفق هذا النوع اقتطاع جزء من الوديعة وقد طبقتها بعض الدول ومنها قبرص والتي لجأت الى اقتطاع نسبة كبيرة من بعض الودائع لدى بعض المصارف وخاصة للودائع التي تزيد عن 100 الف يورو حيث وصلت نسبة الاقتطاع الى أكثر من 40 بالمئة لثاني أكبر مصرف في قبرص.

لقد حصل نفس الامر عام 2008 في إطار أزمة الرهونات العقارية الكبرى وخاصة مع مصرف ليمان براذرز وقد عانى أكثر من 19 مصرف آخر في الولايات المتحدة الاميركية من هذه المشكلة، فلجأت الحكومة الفدرالية إلى إفلاس بعضها كما حصل مع ليمان براذرز، والى تأميم بعضها عبر منح مساعدة بقيمة 85 مليار دولار مقابل امتلاك حصة 9.79 بالمئة من شركة أي أي جي للتأمين.

ويمكن اللجوء الى التأميم في حال كانت الدولة تملك موارد كافية للتملك كحال الولايات المتحدة الاميركية، لكن هذه الوسلة لا تنفع مع دول لا تملك شيء من هذه الموارد.

النوع الثالث : Liquidation

لجأ لبنان سابقا الى هذه الطريقة بالنسبة لعدة مصارف ومنها بنك نصر اللبناني الأفريقي، البنك اللبناني البرازيلي، بنك المشرق، وبنوك عدة أفلست في بداية التسعيينات بعد انهيار سعر الصرف لأول مرة بعد اتفاق الطائف.

هذا الامر يمكن ان يتجدد بالنسبة لبعض المصارف في لبنان، كما يمكن أن يتم دمج بعض المصارف لتجنب هذا الخيار المؤلم بالنسبة للمودعين.

النوع الرابع : Securitization

يمكن أن تلجأ بعض المصارف أو حتى بعض الدول الى طريقة التسنيد عبر إعطاء المودعين سندات دين بما يملكون من ودائع لدى المصارف وتكون الدولة هي الضامنة في هذه الحالة سواء عبر ما تملكه من أصول أو عبر ما تملكه من موارد طبيعية. ويتم دفع هذه السندات بالتقسيط على فترة زمنية محددة. كما يمكن تداولها في البورصة وبالتالي بيعها في السوق المالي.

وقد لجأت قبرص والولايات المتحدة الاميركية الى استخدام عدة أنواع في معالجتهما لمشاكلهما المالية ولحالة الانهيار اللتين عانتا منها، لذلك من المحتمل لجوء الدولة اللبنانية وبعد دراسة المصارف وتقييمها الى اعتماد أكثر من نوع في نفس الوقت.

لقد لجأت قبرص الى اعتماد سياسات اقتصادية من ضمن ما هي قادرة عليه كونها عضو في الاتحاد الاوروبي وبالتالي هي غير قادرة على اعتماد سياسة نقدية مستقلة بمعنى هي غير قادرة على خفض قيمة العملة المتداولة لديها لخفض كلفة القطاع العام وهي غير قادرة على اعتماد سياسة خاصة بأسعار الفوائد. لذلك لجأت الى تخفيض الرواتب والاجور بنسبة تصل الى حدود 25 بالمئة.

في لبنان انخفاض أسعار الفوائد الذي اعتمده مصرف لبنان على ودائع المصارف لديه وعلى شهادات الايداع أدى الى خفض كلفة الفوائد التي يتم دفعها من قبلخ للمصارف التجارية الى النصف تقريبا. كما أن خفض سعر صرف الليرة أدى الى انخفاض قيمة الدين العام بشكل كبير على اعتبار ان هناك دين عام بالليرة يساوي حوالي 91 الف مليار ليرة لبنانية. كما استطاع لبنان ان يستفيد من خفض كلفة القطاع العام بعد انخفاض قيمة العملة الوطنية، لكنه لم يستطع لبنان ان يستفيد من هذه الميزة بالنسبة لموضوع الاستيراد والتجارة الخارجية والايرادات التي يحققها من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة والرسوم العقارية والطابع المالي بسبب ان مصرف لبنان تمسك بتثبيت سعر الصرف الرسمي، وهذا أفقد العملة الوطنية اكبر نقطة قوة كان يمكن استعمالها للعمل على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية.

اليوم مطلوب وضع خطة شاملة للخروج من هذه الازمة تبدأ بقانون للكابيتال كونترول للحفاظ على ما تبقى من ودائع وعملات صعبة لدى مصرف لبنان والمصارف التجارية، ولتنظيم العلاقة ما بين المودعين والمصارف ومنع الاستنسابية، ومن ثم وضع قانون لإعادة هيكلة المصارف يقوم على تصنيف وتقييم المصارف للوقوف عند أي من هذه المصارف يجب تصفيته، وأي منها يجب دمجه، وأي منها يجب الاستمرار به أو ربما تأمين شركاء استراتيجيين له لتأمين السيولة والثقة المفقودتان اليوم.

عطفا” على ذلك، هل ستتم هذه العملية بهذه الآلية أم ان التعطيل كالعادة سيمنع إقرار هذه النقاط مع بعضها البعض وبالتالي الذهاب نحو تقسيط هذه الخطوات باعتبارها الخيار السيء كما اعتدنا في لبنان منعا” من الوقوع في الخيار الأسوأ وهو الوقوع في فخ التأخير المقصود الى ما شاء الله وبالتالي خراب البصرة لاستحالة إقرارها مع بعض؟

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى