حرب الإرهاب على إيران تستشرس… وتتمدّد
بقلم وزير الخارجية والمغتربين الأسبق الدكتور عدنان منصور
لم تشهد إيران منذ تأسيس جمهوريتها الإسلامية عام 1979، باستثناء الحرب المفروضة عليها، والتي دامت من 1980 إلى 1988، عمليات إرهابية دامية كالتي شهدتها في الآونة الأخيرة. فهذه العمليات ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، طالما هناك عناصر داخلية متطرفة مرتبطة بالقوى المعادية لإيران، تقدّم لها كافة أشكال الدعم السياسي، المالي، العسكري، اللوجستي، الاستخباري والإعلامي.
منذ اليوم الأول لقيام الجمهورية، كانت إيران تحت مجهر الغرب وحلفائه، وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي كانت وراء كلّ صغيرة وكبيرة للعمل على الإطاحة بالنظام أياً كانت الوسائل المتبعة في هذا الشأن. فكانت أولى العقوبات الأميركية على إيران عام 1980 في عهد الرئيس كارتر، لتشتدّ في ما بعد مع قانون داماتو عام 1996، وصولاً إلى العقوبات الأممية أعوام 2006 و2007 و2008 و 2010.
على الرغم من رفع العقوبات الأممية عن إيران بعد الاتفاق النووي عام 2015، إلا أنّ واشنطن وبعد انسحابها من الاتفاق، لجأت الى سلسلة من العقوبات الشرسة الأحادية الجانب ضدّ إيران، ثم أجبرت دول العالم على الالتزام بها. وكان يُراد من هذه العقوبات، خنق طهران وجرّها رغماً عنها الى طاولة مفاوضات جديدة، بغية فرض الشروط الأميركية عليها، ومن ثم ترويضها، وشلّ قدراتها النووية.
كلّ الضغوط، التهديدات، العقوبات، الحصار، تضييق الخناق وتحريك بؤر التوتر والفوضى في الداخل الإيراني على مدى 43 عاماً لم تفلح في تركيع النظام، أو النيل منه، أو القضاء عليه.
في ظلّ استحالة استخدام القوة العسكرية المباشرة ضد إيران من قبل الولايات المتحدة او غيرها للإطاحة بالنظام، لم يكن أمام واشنطن وحلفائها إلا العبث بالأمن القومي الإيراني، وإثارة الفوضى والاضطرابات، عبر عناصر داخلية من بقايا الملكية، وحزب تودة الشيوعي، ومنظمة مجاهدي خلق المصنّفة على لائحة الإرهاب، بالإضافة الى حركات وأحزاب وتنظيمات متطرفة أصولية، وإرهابية انفصالية، تتلقى جميعها الدعم المباشر من أجهزة أميركية وأوروبية وعربية.
إنّ امتلاك إيران القدرات العسكرية الكافية لحماية الدولة والنظام، وجهوزيتها الدائمة للتصدّي لأيّ عدوان يستهدفها، دفع بأعدائها الى التركيز على الداخل الإيراني، معتمدين على عملائهم، ومرتزقتهم لإشعال الفتن، وتأجيج النعرات، وضرب المؤسسات باستخدام الأسلحة والتفجيرات، والهجوم على مرافق الدولة، وإشعال الحرائق فيها.
أحداث إيران الأخيرة وصلت الى ذروتها، حيث كانت واشنطن وحلفاؤها تعلق الآمال الكبيرة هذه المرة على الإطاحة بالنظام الإيراني، نظراً للاستعداد والجهوزية والتخطيط الدقيق، والدعم اللوجستي والاستخباري الذي رافق العمليات الإرهابية في محافظات إيران. والتصريحات والتعليقات التي صدرت هنا وهناك في الغرب من أنّ النظام الإيراني يشبه في الوقت الحاضر، نظام الشاه قبل أشهر من سقوطه، تدلّ على أنّ الذين نسجوا وحاكوا ما جرى في إيران، كانوا يعتبرون أنّ النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة، متوهّمين أنّ جماهير الشعب الإيراني، ستنقضّ على النظام، وتخرج لملاقاة العناصر الإرهابية، وتنضمّ اليها لإسقاط النظام.
لم تفاجأ إيران بالذي جرى، وإنْ كانت الأعمال الإرهابية التي طالتها، كانت مختلفة عن سابقاتها، من حيث تخطيطها، أدواتها، أهدافها، نوعيتها، أساليبها ووحشيتها. لقد استطاعت على مدى العقود الأربعة من نظامها، أن تفشل وتجهض كّل المحاولات الرامية الى زعزعة نظامها، وضرب أمنها القومي، معتمدة على صلابة الجمهورية وقوة جيشها، وحرسها الثوري، وإدراك الشعب الإيراني الذي يعي جيداً ما حققته له الثورة من إنجازات تنموية كبيرة، صناعية وزراعية، علمية، طبية، عسكرية، خدماتية وبنيوية… يشهد لها العالم.
الشعب الإيراني يعلم جيداً مَن يحرّك العناصر الانفصالية في بلوشستان والسيستان، وفي مناطق الأحواز، وغرب إيران، وما تفعله سلطات كردستان العراق، وتواطئها وتغاضيها عن الفصائل المسلحة التي تتخذ من كردستان منطلقاً لعملياتها الإرهابية. كما يعرف جيداً تحركات العناصر المسلحة المناوئة لإيران، التي تتخذ من أراضي جمهورية أذربيجان منطلقاً للتجسّس، والقيام بالأعمال الإرهابية في الداخل الإيراني.
فمن أجل الحفاظ على وحدة إيران وشعبها، كان لا بدّ للقيادة السياسية والعسكرية الإيرانية، من أن تواجه بكلّ حزم ما يُحضّر لها من الخارج والداخل، لا سيما في الأطراف التي تعمل عليها كلّ القوى الخارجية المعادية لطهران.
إيران اليوم، في مواجهة مستمرة مع العناصر الإرهابية والانفصالية في الداخل. مواجهة مفتوحة لن تتوقف ما دامت الولايات المتحدة وكلّ من يدور في فلكها، تخوض حرباً متواصلة غير معلنة وبالواسطة، ضدّ النظام لإسقاطه، من خلال دعمها المادي والمعنوي والعسكري اللامحدود للفصائل الانفصالية المتطرفة المسلحة، حيث يرتبط البعض منها بتنظيم داعش.
فكانت الجماعة الإسلامية في بلوشستان وفصيلها العسكري «جند الله» الذي قام بسلسلة تفجيرات إرهابية دموية في العاصمة البلوشية زاهدان، وشبهار، وبيشين وغيرها… أوقعت مئات القتلى والجرحى. كما تقوم حركة «أنصار الله» البلوشية، وجماعة جيش العدل بعمليات إرهابية على الحدود الإيرانية الباكستانية، مستهدفين الأماكن الدينية ومواقع الحرس الثوري والجيش الإيراني.
كان على إيران أيضاً أن تتصدّى وتواجه الفصائل الانفصالية المسلحة في الجنوب الغربي في خوزستان التي اتخذت اسماً لها، «الجبهة العربية لتحرير الأهواز»، والتي تضمّ في صفوفها: المنظمة السياسية للشعب العربي الأهوازي، الحركة الجماهيرية العربية لتحرير الأهواز، الجبهة السياسية العربية في الأهواز، الحزب الطليعي العربي الأهوازي، حركة فدائيّي العرب الأهوازية، حركة المجاهدين العرب في الأهواز، اتحاد العشائر العربية الأهوازية، ومجموعة النشطاء السياسيين الأهوازيين.
أثناء الحرب العراقية الإيرانية اتخذت الجبهة من العراق مقراً لها مدعومة من صدام حسين. وكان العراق منطلقاً لعمليات عسكرية تشنّها الفصائل ضدّ أهداف إيرانية في الداخل. وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، انتقلت قيادة الجبهة الى لندن.
تقوم الجبهة من آن الى آخر بسلسلة من الهجمات والتفجيرات ضدّ القوات النظامية، مستفيدة من الدعم الخارجي من أجل تحقيق مطالبها الانفصالية. وهي مطالب مرفوضة بالمطلق من جانب طهران، نظراً لتداعياتها الخطيرة على وحدة إيران ومستقبلها.
اما في شمال غرب إيران، فلا تقلّ خطورة الفصائل المسلحة، الانفصالية عن غيرها. فالحدود مع كردستان العراق، والتضاريس الجبلية الوعرة، والدعم الذي تتلقاه الفصائل المسلحة من سلطات أربيل وجهات دولية بصورة غير علنية، وغضّ نظرها عما يقوم به الموساد في كردستان العراق ضدّ إيران، واتخاذ الأحزاب المسلحة الكردية من أراضيه منطلقاً لهجماتها وعملياتها الإرهابية في الداخل الإيراني، دفع بالحرس الثوري أن يقصف من حين الى آخر المعسكرات التابعة لهذه الأحزاب التي اتخذت من كردستان مقراً لها، ومنطلقاً لعملياتها العسكرية ضدّ إيران. وأبرز هذه الأحزاب: الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك)، حزب عصبة الكادحين الثوريين (كوملة)، حزب كادحي كردستان، منظمة خبات الثورية لكردستان إيران، حزب الحياة الحرة الكردستاني (البيجاك). مع العلم انّ عدد الأكراد الإيرانيين في الشمال العراقي يقدّر بـ 40 ألف شخص.
في مواجهة الإرهاب والدعوات الانفصالية، والتنظيمات المسلحة المرتبطة بالخارج، ستستمرّ المواجهة الى النهاية. إيران التي استطاعت رغم كلّ التحديات التي طالتها بالصميم، أن تصمد، وتقوى، وتتجذّر داخل شعبها وتحتضن قومياتها، على استعداد أن تحبط في كلّ وقت ما يُحاك ضدّها وإنْ كلف ذلك الكثير، طالما أنّ قوة النظام واستمراريته مستمدّة من دعم ووقوف غالبية الإيرانيين وراء النظام، والحريصين على حماية إنجازات ثورتهم التي شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء.
الإيرانيون يدركون ما يُبيّت ويحضّر لهم، وهم خبروا بعمق سياسات قوى التسلّط والاستغلال والاستبداد على مدى أكثر من قرنين، وعرفوا حقيقتها ودورها الخبيث عن قرب، ويعرفون أيضاً كما تعرف قيادتهم، أنّ التصدّي لمؤامرات قوى العدوان، وإفشال خطتها لا رجوع عنه. فوحدة إيران تبقى الأولوية، وفوق كلّ اعتبار، وإنْ كانت المسيرة شائكة وقاسية…