متفرقات

ما بعد بعد كاريش؛ راحت السكرة وإجت الفكرة

بقلم الكاتب والمحلل السياسي ميخائيل عوض

حرص السيد حسن نصرالله على ان يأخذ كل فريق شارك وكل جهة أسهمت في الوصول إلى الترسيم حقه بالتمام والكمال. فأجّل كلامه حتى تحدث الجميع كل عن بطولاته، ووطنيته، وحرصه على السيادة والقرار الحر والثروات والبر والبحر. ولم ينبس أحد بكلمة بخصوص الانتهاكات الجوية، واستمرار الحصار وفرض إرادة شيا على الدولة مجتمعة وإلزامها بقانون قيصر ورفض الهبة الايرانية، والتملص من وعد الغاز والكهرباء المصري والاردني.

ثم أطل شارحا وبالتفاصيل ومحددا الخطوط والمسارات لحظة بلحظه ونقطة بنقطة فقد كان هو المفاوض بمقابل المفاوض الأمريكي. فالآخرين بمن فيهم الإسرائيليين مجرد كومبارس وهذه هي الحقيقة والمعطيات تؤشر إليها. فلولا إنذار المقاومة وجاهزيتها وتمسكها بالحد الادنى ومسيراتها، وتوحيدها الموقف الرسمي اللبناني لما تحصل شيء.

ليس للهزيمة أم وللنصر ألف أم وأب، هذه من حقائق التاريخ وتجاربه، فالنصر الجاري ولو منقوصا عند البعض سيتبارى الكل بركوب خيله ويفاخرون بنسبه.

كعادته أهدى السيد نصرالله الانتصار الثالث والتحرير الثالث الى صاحبه ومستحقه الشعب اللبناني والى القاعدة الاجتماعية للمقاومة. فكانت والشعب مستعدون للحرب ودفع الثمن مهما بلغ. كما أوفى الكل بما في ذلك فلسطين ومحور المقاومة وروسيا في عمليتها الخاصة بأوكرانيا وشرح الظروف الموضوعية والمعطيات التي وفرت شروطا لتحقيق النصر باقل كلفة.

اما بعد، فالأمر اكثر تعقيدا، وحقبة الانتصارات والتحريرات تفرض نفسها وتطرح حقائقها ومهامها التي دونها تختبر الارادات والالتزامات ومستوى معرفة الواقع والتاريخ ومدى القدرة على تصنيع المستقبل، واي مستقبل.

فحقائق الأزمنة والتواريخ تقرر ان آخر الانتصارات بداية التراجعات.

اول الاسئلة: ماذا بعد، وما ستكون وظيفة السلاح والمقاومة وما مشروعها بل ما مبررها؟

فالمقاومة أتمت وعدها وأنجزت مهماتها بثالث تحرير وثالث انتصار، وفرضت توازن الردع، وشكلت رافعة للمقاومات وخاصة للمقاومة الملتهبة في فلسطين عين القصد والهدف والاصل في تأسيس حزب الله والمقاومة بشعار؛ يا قدس انا قادمون، وراكمت المقاومة ومحورها الانتصارات وأسهمت في التحولات وأنضجت الشروط الموضوعية لإنجاز مهمة التأسيس، وليس ما يمنع الا توفر العناصر الذاتية، المتجسدة في الارادة والقرار.

اخطر الاسئلة – المهمات: ماذا عن القدس وفلسطين، فهل تكتف المقاومة بما حققت وما حققته من انتصارات اعجازية ونوعية وتاريخية في لبنان ومارست دورا اقليميا في سورية والعراق واليمن ومن غير المستبعد ان تكون في اوكرانيا والقوقاز فقد كانت في البوسنة والهرسك…والمنطقي انها جاهزة لتكون في ايران ووسط اسيا ان دعتها الحاج والقرار…؟ ام ستفي بوعد التأسيس وتضع على اولوية جدول اعمالها الزحف الى القدس، ويتحقق وعد السيد حسن نصرالله بالصلاة في القيامة والاقصى؟

لها وحدها ان تجيب، وقد فعلت كل ما يمكن لبنانيا، والفارق جوهري بين لبنانيتها وعروبتها واسلاميتها!! وغيرت بقواعد وقوانين التوازنات الاستراتيجية في الصراع العربي الصهيوني وفي العرب والاقليم، والمنطقي انها ستبقى على السلاح لترسيخ المعادلات والتوازنات الجديدة.

والسؤال – المهمة الاكبر والاكثر خطورة، بل الامتحان الاصعب الذي لم تنتدب المقاومة نفسها لتجيب عليه من قبل وحاذرت طيلة الاربعين سنة على التأسيس مقاربة الاوضاع الداخلية والازمات ولم تنحاز ولا تورطت او ورطت نفسها. فنجحت المقاومة والحزب برفع المسؤولية عن أنفسهم ولم تقدم المقاومة أية التزامات أو مقاربات برنامجيه تلتزمها في القضايا والمسائل الداخلية، وادارت علاقاتها تحت خيمة الحوار والوحدة الوطنية والتعايش والعيش المشترك وحفظ التوازنات والتسويات وعينها على مهامها الاساسية ورغبتها بالا تنشغل عنها أو تخسر وتستفز كتل اجتماعية وتيارات سياسية. ونجحت بالتملص من الكمائن والحروب التي أعدت لها واستهدفتها ونجحت بتقانة وبأقل خسائر من قيمتها وسمعتها وإنجازاتها ولو سددت أثمان ودماء غالية وعزيزة من بنيتها وبيئتها وقاعدتها التي استجابت وصبرت وتبصرت وطال صبرها.

النصر عزيز وعظيم ومراكمة الانتصارات صناعة لم يحسنها الا الثوريين التاريخيين وهذه من صفات المقاومة وطبائعها ممهورة بالدماء وبالنقاء والاخلاص والشفافيةلاستثنائية. الا ان حقائق الازمنة والتاريخ وحاجات التطور والحياة والمستقبل جعلت من كل حدث مهما عظم امره بمجرد تحقيقه وانجازه يسارع الخطى الى زاوية النسيان فقيمة النصر مهما كانت تتلاشى ما لم يتشكل منصة لتحقيق ما يجب وما يضيف اليه قيم مضافة.

فانتصار ٢٠٠٠  إعجازي وال٢٠٠٦ إلهي والتحريرين أمّنا لبنان واستقراره وسيادته الا انهما لم يؤمنان البلاد والعباد من اللصوص ولم يحميا الشعب من الفقر والجوع والعتمة وخسارة الماضي والحاضر والمستقبل.

منذ الآن وفي حقبة ما بعد الانتصارات وتمكن المقاومة سيكون الامتحان الاكثر خطورة وتقرير دور ومستقبل ومهام حزب الله والمقاومة..

نأمل أن تتوج المسيرة وأن تكتمل الجهود بامتشاق همة تحرير الإنسان بعد أن حررت الارض والبحر وأمنت السيادة والقرار باستثمار الثروات وكسر الحصار.

ربما يصير الخيار وتتنكب المهمة التي نصت عليها الآية الكريمة ؛ ” وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء…..”

فقد ساوت الآية بين القتال في سبيل الله والقتال في سبيل المستضعفين وجاءت بصيغة اللوم….

والآية الكريمة” ونريد ان نمن على المستضعفين في الارض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين..” وربما استحق وعد الله عز وجل وما جاء في الحديث الشريف ؛  وجعلناكم شركاء في ثلاث الماء  والكلأ والنار.

اما الماء والكلأ فقد شفطوهم ولم يتركوا للناس شيئا والنار فقد كتموا انفاس النافخين فيها واحتكروها وسيبددون الثروات ويذهب النفط والغاز كما ذهبت الودائع والواردات واموال البلديات والضمان والصناديق والنقابات، والهبة العراقية …

الجواب عن الاسئلة، وابتداع المهام والتقدم لإنجازها، اصبح امر راهن..

والثابت ان المقاومة  في تجربتها ومناقبيتها وقيمها وافعالها تصادق على سيرة وصفات الانبياء والرسل والصحابة، عميقة بإيمانها ومؤمنه بأدائها فلا معيقات في سبيلها ان قررت.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى