بقلم الإعلامي والناقد الأدبي جهاد أيوب
كل هذا الهرج والمرج في الشماتة لخروج الرئيس الجنرال ميشال عون من القصر الجمهوري لهو دليل على فقر سياسي وأخلاقي وحتى طائفي لمن يشمت. هذا التعتير ساهم بقتل حلم الشباب اللبناني المقبل. فالساحة السياسية والاجتماعية اللبنانية كيدية، عنصرية وجاهلة لكل ما يبني وطن.
استلم عون وأدار ما تبقى من بلد في ظل ثورة حاكم “مصرف لبنان” على كل لبنان وعلى مشاريع الرئيس، ليشكل عدواً مطلقاً لعون وعلى عهده. والعجيب أن الرئيس عون جدد لهذا العدو المخملي، وهو يدرك بأنه ينفذ أوامر أميركية ورغبات طبقة لبنانية حاكمة.
ويدرك الرئيس عون قبل الجميع أنه طُلب من حاكم “مصرف لبنان” أن يتحكم بمصير البلد وبمصير العهد، وأن يكون الشريك الاساسي في قتل العهد، وأن يكون بيده مصير الاقتصاد والبلد ومن حوله غالبية الإعلام والزعامات الفاسدة ورجال دين شركاء بالفساد وبالفتنة وبالحروب عليه وعلى البلد… وهات يا شراء ذمم!
قبل أن أشير إلى أخطاء مرحلة عهد الرئيس الجنرال ميشال عون التي يتحملها فريقه كما الذين وقفوا ضده لإفشاله_ وما أكثرهم_، لا بد أن أشير إلى أن المولود من الموارنة يأتي الدنيا وهو يحمل كتاب “صراع على السلطة والزعامة” دون الالتفات إلى طبيعة الوطن، لتبدأ مرحلة عميقة في الزعامات الكيدية والولدنات الوطنية مع ما تبقى من زعامات طائفية.
من الأخطاء نذكر، أن الرئيس عون لم يقم بزيارة إيران كما زار السعودية. عليه أن يحمل راية الانفتاح على الجميع، ولا يكترث لزعل وغضب من راهن على رضاهم، وهم يحفرون ضده، لا بل يرغبون بخنق عهده، وقتل زعامته… هذا كان خطأ تكتيكياً إرضاء للسعودية التي حاربته وستحاربه بكل ما تملك.
كما لم يقم بزيارة الجارة الأساسية سورية، وهذا خطأ استراتيجي فادح، وتم السكوت عنه إكراماً لسماحة السيد حسن نصرالله في سورية وفي لبنان.
وهذا الحال سينعكس على استمرارية زعامة وموقع جبران باسيل في المستقبل إن لم يتدارك باسيل هذا الخطأ الذي ارتكب من أجل إرضاء أميركا التي لم تهتم، وتمسيحاً للجوخ السعودي الحاقدة بالأساس على عون إلى يوم الدين.
وكان على الرئيس عون أن يعمق العلاقة مع سورية لحظة عودة الإمارات والسعودية إلى سورية رغم مشاركتهما الأساسية في الحرب التدميرية على سورية، لا أن يكتفي بالاتصال الهاتفي في آخر دقائق عهده.
كان على عون استغلال حالة المجتمع الدولي، الذي لم يعد مبالياً للواقع اللبناني والانشغال بالحرب داخل أوكرانيا التي دُمرت، بتغيير سياسته دون انتظار الموافقة الأميركية على بعض ما يرغب به في السياسة وفي المشاريع الإصلاحية والاجتماعية، وهو المشهود له بعناده وبصوابية قراراته إن أراد.
فتح على سمير جعجع وعلى سعد الحريري، وحتى مع الأميركي متجاهلاً التصالح مع الرئيس نبيه بري، وهو يعلم علم اليقين صلابة بري في إعاقة عهده، وهذا أكبر أخطاء لعبته الداخلية، وأيضاً تركه لخصومات التيار وجبران باسيل تتفاعل وتتراكم مع سليمان فرنجية دون العمل على اصلاح ذات البين.
أخطأ العهد حينما طلب استقالة وزير خارجيته الذي دافع عنه أمام سفاهة صحفي سعودي نكرة في برنامج ملفق، والنتيجة لا شيء.
أخطأ العهد حينما ضغط على وزير الإعلام الزميل جورج قرداحي من أجل الاستقالة على موقفه الخاص وليس عاماً، وهذا أضر بصفة الصمود والقوة التي كانت عند الجنرال، ولم يطلب أن تعتذر السعودية منه لتطاول صحفي مخابراتي سعودي عليه مباشرة في تلك الحلقة المفبركة، وما قام به إعلامها بالتجريح الشخصي ولمقامه.
أخفق حينما تصرف في كثير من الأحيان على اساس أنه الحامي للتيار الوطني الحر المحارب من الجميع إلا من حزب الله.
الحزب البرتقالي يتلمس ذلك، ولكنه استمر بهذه الرعاية رغم حنكة باسيل في كثير من الملفات، وهنا الحنكة لم توفق!
عدم العمل على بناء حالة سياسية على مستوى الوطن من أخطاء العهد، ودعمه المطلق لصهره باسيل الذي تعمد بإصرار وبعند على أن تبقى زعامته في الزاروب المسيحي.
أخطأ فريق الرئيس وجبران باسيل حينما تركا قناة OTV دون استراتيجية إعلامية تخدم العهد لا أن تكون حملاُ متعباً على العهد رغم حبها له، واضرته كثيراً ” ومن الحب ما قتل”، وأصرت أن تطلق العنان في برامجها لضيوف ألسنتهم خبيثة، وهؤلاء الضيوف وبالأساس أعداء العهد بحجة الانفتاح.
عدم اكتراث العهد للإعلام خاصة إعلام الدولة وبالتحديد “تلفزيون لبنان” الناطق بإسم الدولة، ترك برامجه السياسية ونشراته الاخبارية لتهاجمه بطريقة عنيفة، وهذا أصاب العهد في الصميم!
لم يستفد جبران في عهد عون من نقاط ضعف الخصم لكونه لا يمتلك استراتيجية سياسية يعمل عليها، وجعل حساباته ضيقة جداً، والمتضرر كان فخامة الرئيس وكل مرافق الدولة. وهنا هم باسيل كما تلمسنا انتظاره لإرضاء الأميركي الذي وضعه ضمن المعاقبين، مع إن باسيل لعب دوراً اساسياً في موضوع ترسيم الحدود البحرية، وقد تنعكس لصالحه مستقبلاً إذا صدق الأميركي.
ومن الأخطاء التي ستشكل مشكلة كبيرة لجيل الشباب في حزبه أنه لم يطالب بإلغاء الطائفية السياسية، ولم يمهد لها مع لجان خاصة، ولم يشرع لإلغائها!
والخطأ الكبير الذي سيندم عليه فريقه في المستقبل عدم تمكنه من إنجاز المشروع الانتخابي الوطني خارج المحاصصة وخارج مصالح زعامات تقليدية فاسدة، واقطاعية مجرمة.
لم يقم بطرح قوانين تصون المواطن اللبناني، وترفع من عزيمته في الداخل، وتجعله يؤمن بأن لبنان وطن الجميع وليس وطن عصابة معينة!
لم يعمل على برامج تعطي المرأة اللبنانية حقوقها في المحاكم الشرعية والمدنية!
أهمل حيادية القضاء. ففي عهده لم يعد للقضاء أي قيمة وفعالية. ودور القضاء أصبح تحت تصرف الزعامات الحاكمة…وحتى يفضح العهد الجميع كان عليه مصارحة اللبنانيين، وصفع القضاة، وسن قوانين عصرية تنسف كل ما يتسلح به القاضي على حساب الحق والعدالة والمواطنة… في تاريخ الدول والشعوب والأزمان لم يقم القضاء بالإضراب إلا في لبنان، وفي عهد الرئيس ميشال عون. هنا كان المطلوب قلب الطاولة على الجميع من قبل الرئيس عون.
ومن الاخطاء أن الرئيس لم يقم بمهام مصالحة جبران باسيل مع سليمان فرنجية، وترك الأمور معلقة ونافرة اضرت بالعهد وبالبيئة المسيحية حتى لو تسلح باسيل بأن نواب فرنجية لا يتخطون أصابع اليد الواحدة!
والخطأ الأكبر أنه أي الرئيس عون اعتقد أن أميركا ستعيق كل مشاريعه، وهي قادرة على محاربته، وهي بالفعل حاربته وأعاقت عهده بالتنابل الداخلية.
وأيضاً عدم التعامل مع بعض الدول العربية الند للند الدبلوماسي كما فعلت معه سياسياً وإعلامياً.
وأخيراً…في عهد الرئيس ميشال عون حكم البلاد والانتخابات سفراء أميركا والسعودية بفجور لا يصدق، ومن ثم غالبية السفراء في لبنان، وتدخلوا بكل شاردة وواردة.