دنكيشوتية المواقف الأخيرة
بقلم علي زعرور
محظور حتى “دون كيشوت” المفعم بشجاعة وهمية، أن يحطّ رحاله بيننا في استراحة محارب. فأعرافنا المتوارثة لا تسمح بحلول الرئاسة. هي باتت حملاً يثقل كاهلنا حتى أضحى إرثنا من الصفات مجرد شهادة فخرية على الهامش نرزح تحتها، تخنق أصواتنا خشية وتصنّم حراكنا ريبةً وتوجساً.
هذه البلاد المستعمرة برياحٍ غربية، لا يليق بها أن تسكن دروبها العابرة بالإباحة، كمشة من الجرأة حتى المصطنعة منها. فالخشية من التغيّر المناخي قائمة حين تنقلب المواسم من ربيعٍ زاهرٍ إلى شتاءٍ عاصفٍ، وما بين الفصول خريف معرًّ وصيفٍ شديد اللهجة.
مواقف “دون كيشوت” المستحضرة من التاريخ لم يوزعها جوائز ترضية. قناعاته الراسخة بقدرته على تحقيق خرق في جدار الخوف جعله يمتطي خيله غير آبهٍ بما تسوق له الأقدار من مفاجآت، حتى أضحت دنكشوتيته مثار جدلٍ بين الإفراط والتهور. ولكن في يقينه الدامغ، يبقى هو همزة وصل في رحلة تحرّر لا نهاية لها.
غوغائية المعارضين والمعترضين لم تنل من عزيمته. ففي محفله حظوة من المؤيدين أعطته دفعا وأكسبته زخما يفتقده الكثيرين. والجدلية القائمة التي ظهّرت عبثيتهم المشرذمة لم تتمكن من إخفاء حقيقة جرأته، وإن حاول البعض بمواربة مكيافلية تحويلها إلى مجرد تهوّر غير منقطع النظير.
ويبقى دون كيشوت، هذا الغائب الحاضر والحالم حتى بعالم تتطابق فيه تصوراته الذاتية مع مواقفه، عصيّ على الانكسار، لا يمكن أن يحدّه جنوح العالم الخارجي نحو مزيد من العنجهية العبثية.