أنياب الولايات المتحدة لا زالت بارزة، فاحذروها!
بقلم ورير الخارجية الاسبق د. عدنان منصور
لم يكن الهاجس الاميركي حيال الاتفاق الصيني السعودي مفاجئا، ولا رد فعل واشنطن إزاء التقارب الخليجي- الايراني، والخليجي-السوري مستبعدا، لكن الغرابة هو موقف الولايات المتحدة الفاضح، ورفضها توجه الدول العربية، لا سيما الخليجية منها، واستعدادها للعودة الى سورية وإنهاء القطيعة معها!
واشنطن أبدت عن غضبها، ورفضها، ومعارضتها لهذا التقارب، وهي توجه رسائلها الى الرياض والكيان الاسرائيلي، بذريعة ضرورة إلتزام سورية مسبقا بالقرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254 تاريخ 18 كانون الاول عام 2015، قبل أي تطبيع للعلاقات معها.
يأتي الرفض الاميركي هذا ، بعد كل الذي فعلته الولايات المتحدة بحق سورية منذ اندلاع الاحداث فيها عام 2011،حيث كانت وراء الفصائل المسلحة،وتدعم والمجموعات الارهابية، بغية الاطاحة بالنظام، والاتيان بنظام عميل لها يصب في مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة وعلى رأسهم “إسرائيل”.
لعل ابرز محطات العلاقات السياسية التي تربط الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، هي ان ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان استطاع اليوم ان يضع الأسس لمفهوم جديد للعلاقات الثنائية بين واشنطن والرياض، بنهج جريئ شجاع، أراد منه تعزيز القرار السيادي المستقل للمملكة ومصالحها القومية والإقليمية والدولية، بعيدا عن الاملاءات والضغوط والابتزاز، والاحتواء والهيمنة ألاميركية على السياسات السعودية التي استمرت لعقود طويلة.
مما لا شك فيه، أن القرارات الجريئة التي أتخذها ولي العهد السعودي،اذا ما قدر لهاالنجاح، ستسجل فاتحة تاريخ جديد، وتحولا مفصليا جذريا في علاقات المملكة مع محيطها والعالم،وسيتيح لها مستقبلا ترسيخ دورها الفاعل وتعزيز زعامتها داخل أمتها. إذ ان اذابة الجليد بين المملكة ودول الجوار، والعمل على وحدة الصف العربي، وفتح صفحة جديدة من العلاقات الأخوية العربية- الايرانية، ووقف اندفاع دول عربية باتجاه الكيان الاسرائيلي، والتزامها فعلا لا قولا بالقضية الفلسطينية التي يعتبرها العرب قضيتهم المركزية،
والتوجه بكل ثقة بخطوات ثابتة نحو الشرق، وبالذات نحوالصين،وروسيا، والهند، وايران وغيرها، سيؤسس لحقبة جديدة تقلب كل المعادلات السياسية والاستراتيجية والأمنية التي كانت سائدة،ليس فقط في المنطقة المشرقية، وإنما في منطقة الشرق الاوسط كلها. وهذا ما سيحرك ويثير الاميركي كي ينتفض ويندفع بكل قواه لاجهاض تحرك السعودية،
والالتفاف على السياسات الشجاعة،
والقرارات”الثورية” العالية المسؤولية التي أتخذها ولي العهد.
واشنطن التي لن تستسلم للأمر الواقع
الذي فرض عليها بأي حال من الاحوال، لن تقبل مطلقا بهذا التغيير المعاكس لارادتها، ومصالحها وأهدافها الاستراتيجية بعيدة المدى.ولن ترضى مطلقا بالتقارب الصيني- السعودي،
والخليجي- الايراني،
،والخليجي السوري، كي يأخذ مداه ويحقق اهدافه على حساب مصالحها .
ما تحرص عليه واشنطن وتعمل له، هو الابقاء على منطقة مضطربة، متفجرة،يسودها الفوضى والنزاعات، والحروب، والتوتر، وعدم الاستقرار،
وغياب الثقة بين دولها. إذ ان مصالح الولايات المتحدة، ونفوذها، وهيمنتها على المنطقة والتحكم بقرارات دولها،تتعزز، وتنتعش، وتنمو في تربة الخلافات العربية -العربية، والعربية- الايرانية،
والعربية -التركية. كما تستمد نفوذها وتأثيرها من الصراعات والحروب الدامية التي تشهدها دول في المنطقة، حيث يكون للمصانع الحربية الاميركية فيها الملاذ الرحب لمبيعاتها من السلاح لهذه الدول، حيث تعدت قيمة مبيعات الاسلحة الاميركية السنوية لهذه الدول ال80 مليار دولار، عدا الاموال الكبيرة التي تنفقها بلدان المنطقة في مجالات اخرى ترتبط بنتائج وتداعيات الحروب ومشتقاتها.كما ان واشنطن لن تفرط بمصالحها الإقتصادية والتجارية مع دول الخليج بعد أن بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة، ودول مجلس التعاون الخليجي ما يزيد عن 75 مليار دولار عام 2022،
فيما استثمارات
دول مجلس التعاون الخليجي في أذون وسندات الخزانة الاميركية بلغت 220 مليار دولار منتصف العام الماضي.لذلك لن تتردد اميركا فيما لو رأت ان ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، سيستمر في نهجه وسياساته الجريئة التي رسمها لمستقبل بلاده ومصالحها الوطنية والاقتصادية،
والمالية، والأمنية والاستراتيجية، من أن تستخدم كل ما لديها من وسائل الضغط، بغية تصويب البوصلة السعودية باتجاهها كاملة من جديد،
والعمل على اجهاض أو وضع حد للتحولات السياسية الدراماتيكية
للسعودية التي وضعت واشنطن امام امر واقع لأول مرة في تاريخ العلاقات الثنائية، لم تكن تتوقعه او تنتظره من المملكة التي كانت على الدوام حليفا لها،تتماشى مع سياساتها دون تحفظ أو اعتراض.
بعد الذي جرى، فإن كل شيئ منتظر ومتوقع من ردود فعل الولايات المتحدة حيال السعودية.وما الموقف الاميركي الموجه مؤخرا الى الرياض و”اسرائيل”،
الذي تبدي فيه واشنطن إنزعاجها
ورفضها للتقارب الخليجي السوري،
وبالذات السعودي السوري، إلا إعطاء الولايات المتحدة الضوء الأخضر للكيان الاسرائيلي، كي يستمر في اعتداءاته المتكررة على سورية، بتغطية ودعم منها.لكن ماذا عن السعودية فيما لو استمرت بنهجها”المقاوم” للنفوذ الاميركي وهيمنته على مسار السياسات الخليجية برمتها؟! لن تتردد الولايات المتحدة من اتخاذ إجراءات عدائية، مستخدمة نفوذها الكامل في منطقة الخليج التي تنتشر فيها القواعد العسكرية الاميركية،
الى جانب شبكاتها الاستخبارية العميقة والمتجذرة داخل دولها،والقيام بأي عمل عدائي يؤدي الى إرغام من يجب ارغامه للعودة الى الحضن الاميركي دون قيد او شرط.
هنا يمكن القول ان واشنطن لا زالت تحتفظ بملف حساس جدا،تلمح وتلوح به بغية ابتزاز المملكة دون وجه حق،وترقد عليه إلى حين تدعو الحاجة الى فتحه،وهو ملف احداث 11 ايلول 2001, وتفجير البرجيين في نيويورك. منذ ذلك التاريخ ،أميركا ومعها الكيان الاسرائيلي يصوبان على كبش ثمين، يريدان تحميله المسؤولية عما جرى في 11 ايلول.
دوري غولد مندوب “اسرائيل” الدائم لدى الأمم المتحدة بين عامي 1997 و1999، ومستشار رئيس الوزراء الاسبق آرييل شارون،وفيما بعد مستشار نتنياهو خلال ولايته الاولى،والذي عينه عام 2015 مديرا عاما لوزارة الخارجية، اراد في كتابه المعنون:
“مملكة الكراهية”
Hatred’s Kingdom
توجيه اتهام بشكل مبطن للسعودية،
حول تورطها، وتحملها المسؤولية إزاء الذي جرى يوم 11 ايلول عام 2001 في الولايات المتحدة من احداث دامية. هذا يعني، ان واشنطن تجعل من ملف احداث ايلول سيفا مسلطا ستستخدمه عند الضرورة، بغية تحميل السعودية في ما بعد،
المسؤولية عما جرى، ومن ثم ابتزازها من خلال فرض و”جني” التعويضات التي ستحددها محاكمها، والتي دون شك ستتجاوز 2 ترليون دولار او أكثر، عدا اللجوء الى قرارات صارمة تعسفية تتخذها بحق المملكة.
الولايات المتحدة التي ترفض بالمطلق ابتعاد دول عنها، تهدد مصالحها الحيوية، لن تتردد بالانقضاض عليها بصورة او بأخرى.
فسجل واشنطن في هذا المجال حافل على مساحة القارات الاربع ،في أميركا اللاتينية، وأفريقيا وٱسيا واوروبا.إذ كان لجهاز استخباراتها ال CIA، وٱلتها العسكرية الدور الفاعل في الاطاحة بأنظمة وطنية مناوئة لها، وتصفية زعماء معارضين لسياساتها شكلوا بقراراتهم الوطنية المستقلة تحديا خطيرا لنفوذها واستغلالها، ومصالحها الاقتصادية الإستراتيجية.في عام 1954،قام الطيارون الأميركيون بقصف غواتمالا، واطيح برئيسها الاصلاحي جاكوبو اربنز Jacobo Arbenz المنتخب ديمقراطيا، والمعارض بشدة للامتيازات الاميركية في بلده، لتحل مكانه عميل واشنطن “ارمس”.
كانت ال CIA في شهر أيار عام 1981وراء احتراق وتحطم طائرة رئيس الاكوادور
جيم “رلدس”
Jaime Roldos الذي وقف في وجه استغلال الشركات الاميركية لبلاده الذي لقي حتفه ، ليلحق بعد شهرين في تموز
1981رئيس بنما عمر توريجس Omar Torrijos الذي تصدى بدوره للامتيازات الاميركية وقتل بتحطم طائرته هو الٱخر.
لم يفلت من مخالب ال CIA، مصدق في ايران، لومومبا في الكونغو،نكروما في غانا، سوكارنو في اندونيسيا،الليندي في تشيلي، باندرانيكا في سريلانكا، يانوكوفيتش في اوكرانيا، واللائحة تطول.
ولي العهد الامير محمد بن سلمان يعرف جيدا حقيقة نيات واهداف سياسة الولايات المتحدة ومشاريعها المستقبلية ، وما تبيته لدول المنطقة، وهي تستهدف في الصميم، وحدة السعودية ،ومصر،
وايران، وتركيا،
والعراق، وسوريا، ولبنان ،وليبيا، والسودان، وغيرها من دول العالم العربي.
الاشهر القادمة حبلى بالمفاجٱت. الذئب الاميركي وراء الابواب،
يراقب، يحذر، يتوعد، يهدد. لكن هل سيكتفي بهذا القدر، ام انه سينقض ليشرع ابواب المنطقة أمام فوضى عارمة، وأحداث وتطورات خطيرة لا يمكن الٱن معرفة حجمها ومداها؟!
أميركا لن تتقبل اليوم المتغيرات السياسية في المنطقة ، لا سيما بعد ان فشلت ومعها دول أوروبا في تحقيق ما ارادوه في اوكرانيا، كما لم يفلحوا ايضا في تحجيم دور الصين في العالم، الذي بدأ منذ سنوات يسحب بساط الهيمنة الاميركية الأحادية على العالم من تحت اقدامها، ليسجل صعود قوى عالمية عظمى تشكل تحديا مباشرا للزعامة الاميركية ، وتحد من نفوذها، وتتعامل معها بسياسة الند للند. وها هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يأخذ المبادرة ليقول للولايات المتحدة وسياساتها المستبدة بحق الشعوب الحرة: كفى كفى !