ملتقى حوار وعطاء بلا حدود يستشرف الآفاق السياسية والإقتصادية في لبنان على مشارف ال 2023!؟ (الجزء٣)
كتب د. طلال حمود- مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقّنا
إستكمالاً للنهج الذي اعتمدناه منذ إنطلاق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود، في محاولاتنا الدائمة للبحث عن المخارج المُمكنة للأزمات السياسية والإقتصادية والمالية والنقدية والإجتماعية والمعيشية والصحية التي يتخبّط فيها لبنان منذ ثلاث سنوات، ومواكبةً منا للأحداث الآخذة في التفاقم على كل الصعد بعد تعثّر كل المبادرات الداعية لإجراء “حوار داخلي” من اجل السعي لإيجاد حلّ للعقدة الكيداء المُتمثلة في إنتخاب رئيس للجمهورية، وفي ظل إستمرار إنحدار الأوضاع الإقتصادية والمالية والمعيشية للمواطنين اللبنانيين الى درجة لم تعد تُحتمل، عمدنا في نهاية هذا العام ايضاً وكما فعلنا في العام الماضي الى طريقة الحوارات الإستشرافية بهدف السعي لإطلاق مبادرة حوارية غير مباشرة بين مختلف النخب اللبنانية المُتعددة المشارب والإنتماءات بهدف طرح رؤى وتحليلات ومقترحات قد تساعد في الخروج من المأزق الحالي.
وبعد ان وقفنا في الجزئين الأول والثاني من هذا الملف عند رأي رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت المحامي كريم ضاهر الذي شدّد في مداخلته على أولوية إعادة إنتظام المؤسسات الدستورية وتنشيط عملها لمواكبة فترة الإستنهاض والإنقاذ، وعلى ضرورة إنتخاب سريع لرئيس الجمهورية، والحاجة الى “حكومة مُهمّة” تقوم بوضع وتنفيذ الخطط السريعة لتلك العمليات، مُؤكداً على الحاجة الى رزمة من التشريعات والإصلاحات الأساسية في المجال المالي والإداري وخاصة في مجال مكافحة الفساد، ولمطالعة خبيرة العلوم السياسية وصاحبة التجربة الكبيرة في الشأن العام في لبنان والعالم العربي، الدكتورة فاديا كيوان التي تشغل منصب المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية منذ حزيران 2018 وحتى اليوم، والتي اكدت في مداخلتها اننا في الحقيقة في لبنان حالياً امام خلاف سياسي عميق حول الخيارات السياسية التي يجب ان تعتمدها السلطة حول قضايا اساسية في بلدنا، ومن اهمها السياسة الخارجية والدفاع المُشترك وهو خلاف يشمل أيضاً النظرة الى السياسات الاقتصادية التي يجب اعتمادها، مع وجود ازمة ثقة كبيرة بمصداقية الدولة خاصة في طريقة معالجتها لملف التعافي الإقتصادي.
في هذا الجزء الثالث من هذا الملف نقف اليوم اليوم عند رؤية الدكتور طلال عتريسي ومطالعته حول الأسئلة التي كنا قد طرحناها. والدكتور عتريسي مُتخصّص في الشؤون الاجتماعية والسياسية. نال شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون في باريس عام 1979م. وهو باحث ومستشار علمي للعديد من المؤسسات التربوية، الاجتماعية، الثقافية، والسياسية. ترأس الفرع الأول لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية من عام 2003م وحتى العام 2007م. وشغل عضوية الهيئة العليا لإعداد وتطوير المناهج والبرامج في الجامعة اللبنانية ما بين العام 2011م و2013م. كما عُيّن عميداً للمعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية من العام 2014م حتى العام 2016م.
وفي خلال مسيرته التعليمية، حاضر في ميدان علم النفس الاجتماعي، علم اجتماع التربية، وعلم الاجتماع العائلي. كما كتب ونشر الكثير من الكتب والمقالات في مجال الدراسات السياسية والاستراتيجية.
عتريسي
لفت الدكتور عتريسي أولاً الى اصرار وحرص الملتقى ممثلاً بشخص منسّقه الدكتور طلال حمود على المتابعة الحثيثة لكل التفاصيل والملفات السياسية والإقتصادية والمالية والإجتماعية والمعيشية والصحية في لبنان والسعي في الحوار حولها مع كل أصحاب الشأن المعنيين وكل الفئات والشرائح اللبنانية، سعياً للبحث عن حلول لها من منطلق وطني خالص قلّ نظيره ويناسب الجميع.
وبدأ بمسألة انتخاب الرئيس، حيث قال أن الجميع يعرف ان ذلك يمرّ قطعاً بمعادلة التفاهم الاقليمي الدولي ثم المحلي على اختيار شخص الرئيس الذي سينتخب. وان ذلك حدث في الماضي مع دور مصر والدول الغربية المؤثّرة، ولاحقاً مع سوريا والسعودية وغيرها. فاليوم نلاحظ أن كل العالم على المستوى الدولي ليس مُهتما كثيراً بتفاصيل الشأن اللبناني، فهو مشغول ومنهمك جداً بالحرب الاوكرانية-الروسية وتداعياتها السياسية والإقتصادية الكارثية على اكثر من مستوى. وهذا ما يجب ان يشكّل فرصة للداخل اللبناني لتكون له الاولوية في تمرير هذه الإستحقاق والسعي للوصول اليه في اقرب وقت. ولذلك، فالحوار واجب في الداخل والكرة في ملعب المرشح الذي يطرح برنامجاً سياسياً وإقتصادياً واضحاً. واكمل انه وبالطريقة الحالية التي تُدار من خلالها الأمور فأنا لا اعتقد انه سيتحقق اي شيء مُميًز بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية في القريب العاجل!
وشدّد عتريسي على انه يجب أن يتمّ التوافق على انتخاب رئيس بسرعة وهذا افضل بكثير للبلد الذي لا يحتمل اي خلل طويل الأمد حتى على مستوى الشكل في المواقع الاساسية. واضاف ان السؤال الفعلي للرئيس المُحتمل يأتي حول استطاعته قيادة البلاد نحو عتبة الخلاص والانقاذ!؟ ففي السابق وفي ظلّ وجود رئيس وحكومة كاملة الصلاحيات عجزت الطبقة الحاكمة عن فعل أي شيء بسبب خلافاتها الكثيرة وتناحرها الدائم على اكتساب اكبر قدر من المكاسب والمناصب! فالأهمّ الآن هو كيف يجب ان نتعامل مع الاوضاع الإقتصادية والإجتماعية الحالية دون رؤية واضحة؟! وكيف يجب ان نتعامل مع الاوضاع المالية والمصرفية ومع ملف الغاز والنفط؟!
واضاف عتريسي إذاً، نحن بحاجة الى خلية طوارئ وطنية برعاية الرئيس الجديد تكون أولى أولوياتها معالجة هذه الاوضاع، وليس انتخاب رئيس فقط دون خلية عمل وخطة إنقاذ وطني حقيقي؛ فهذا لا يكفي ابداً لوحده، والامر يحتاج الى رؤية واستراتيجية واضحة في كل هذه المجالات. وأكمل عتريسي انه وفي مستقبل العلاقة بين التيار وحزب الله فالأيام التي مرّت أكدت ان هذه العلاقة مُستمرّة رغم بعض التصدّع. وفيما يتعلق بتفاهم القوات اللبنانية مع التيار الوطني الحرّ فهذا إحتمال صعب للغاية، حيث لا يستطيع أحدهم ان يتحمل الندية بهذه العلاقة، واتفاق معراب لم يدم طويلاً
واستبعِد ان يكون هناك توافق على انتخاب رئيس بينهما، مُؤكّداً ان الخلافات المُعقّدة للكتل المسيحية الوازنة هي مُؤشر إضافي يدلّ على طول مدة الفراغ الرئاسي المُحتمل.
وفي الشأن الإقتصادي قال عتريسي انه وفي ظل هذا النوع من السياسيين والإقتصاديين الذين لا يريد احد منهم ان يفتح المجال لمحاسبة الفاسدين وتصحيح وتصويب الثغرات القضائية الموجودة في هذا السياق، وفي ظل وجود مواقف لبعض الاطراف السياسية لا تسمح ابداً بذلك، فإن الأمل ضئيل جداً في الوصول الى محاسبة قريبة للمرتكبين.
اما حول الازمة السياسية الحالية فسؤالنا هو هل هذه الازمة قابلة للإستمرار ؟ وهل سيُعمل لتنظيم مؤتمر تأسيسي، كما عقدت اسرائيل مثلاً منذ فترة مؤتمراً حول مستقبل ذلك الكيان الغاصب؟ مُؤكّداً اننا نحتاج الى انعقاد هكذا مؤتمر رغم ان البعض يرفض فكرة المؤتمر التأسيسي على شاكلة مؤتمر الطائف. بل يذهب بعضهم الى القول ان مؤتمر الطائف ممنوع المس به وهو كافٍ!؟ وكل ذلك في ظلّ مُطالبة آخرين من الاكثر واقعية بتطبيقه حرفياً بكل بنوده التي لم تُطبًق ابداً، وكذلك في ظل وجود بعض المنادين بالفيديرالية كحلّ بديل من خارج الطائف!؟ ولكل الأسباب السابقة التي ذكرتها، نحن نحتاج الى وفاق، واذا رفض احد الاطراف النقاش في هذا الموضوع ووضع فيتو عليه، فإن هذا المؤتمر التأسيسي لن يُعقد.
اما فيما يتعلّق بموضوع انتخاب الرئيس كإستجابة لتحدّي الازمة الاقتصادية فالرئيس العتيد امام تحديات مهولة للازمة الراهنة التي نعيشها سواء فيما يخصّ مثلاً العلاقة مع الشرق ومع الصين مثلاً، والتي عقدت مؤخّراً في السعودية ثلاث موتمرات هامة جداً تحت عناوين مهمة جداً ايضاً: قمة صينية-سعودية وقمة صينية-خليجية وقمة صينية-عربية، والسؤال المنطقي الذي يُطرح هنا هل سيستطيع الرئيس المنتخب ان يذهب الى علاقة مع الصين مثلاً التي تعطيه الكهرباء والطرق وانفاق السكك الحديدية وغيرها من البنى التحتية!؟ وهل الصين قادرة ان تعطي لبنان كما تعطي الخليج ام اننا سنكون انام فيتو اميركي غربي على هكذا تعاون؟! وهل يستطيع الرئيس العتيد ان يفعل ذلك!؟ وان يضغط على رئيس الحكومة من اجل الإتفاق مع الصين حيث لم يتجاوب معها لبنان في السابق رغم عدة محاولات!؟ ولذلك ذهبت الصين لقمة خليجية-عربية من اجل عقد اتفاقيات إقتصادية هائلة، علماً بأن هذا الامر يساعد كثيراً لبنان على حلّ ازمته الاقتصادية ويساعده في كل ما ذكرناه سابقاً خاصة في ملف إعادة تأهيل البنى التحتية الأساسية لإعادة إستنهاض الإقتصاد؛ وهذا اذاً هو محكّ ومعيار للرئيس المُقبل في سياق التعامل مع الخارج ولا سيما مع الصين مثلاً او غيرها من دول الشرق، وهل سيملك الجرأة على هذا التحدّي أم اننا سنبقى مكاننا ويصبح الوضع اصعب واصعب وكيف سنستطيع الإستفادة من ثروتنا الغازية والنفطية دون ان يكون الوقت طويل.
ملاحظة: كل الشكر للصديقات الاعلامية سمر حيدر، د.سوزان مسعود، د. وجيهة عثمان على مساهمتهن الفعّالة في هذا النشاط.